اوييه تروي ملابسات القبض عليها من قبل الأجهزة الأمنية في مدينة دمياط وترحيلها من مصر إلى فرنسا
فاني أوييه هي إحدى الباحثات الاجنبيات التي استعرض تقرير حرية الفكر والتعبير عن أوضاع الباحثين الأجانب في مصر تجربتها .. أوييه روت في التقرير والذي جاء تحت عنوان « مشتبه بهم!» .. عن ملاحقة اﻷجهزة اﻷمنية للباحثين اﻷجانب في مصر تجربتها مع الملاحقات في مصر
واصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير اليوم الأثنين تقريرها حول ما يتعرض لها الباحثون الأجانب في مصر .
ويشير التقرير الذي نشره المركز اليوم إلى أنه «لم يكن من السهل الوصول لكثير من الحالات التي تعرض فيها باحثون أجانب للملاحقة. موضحا أن هناك رغبة لدى عدد من الجهات البحثية ودوائر دبلوماسية غربية في عدم اﻹفصاح عن معلومات تفيد في معرفة حجم التضييقات والملاحقات الأمنية للباحثين الأجانب.
وقالت المؤسسة إنه من ضمن دائرة ضيقة من الحالات التي توصلت لها، قررت الباحثة الفرنسية فاني اوييه أن تسرد شهاتها كاملة، عما تعرضت له في مصر من قبل أجهزة الأمن المصرية. كان ذلك قبل 7 أشهر من مقتل جوليو ريجيني.
كانت فاني اوييه طالبة ماجيستير في كلية دراسات العلوم الاجتماعية المتقدمة (EHESS)، وهي كلية مرموقة في فرنسا، وفي إطار عملها على الحصول على الدرجة الأكاديمية، اختارت اوييه كتابة بحث لتحليل أنماط النشاط السياسي للشباب في مصر بعد أحداث 30 يونيو 2013. قضت فاني اوييه فترة في مصر عملت خلالها بالصحافة من خلال موقعي ديلي نيوز ايجيبت وحقوق، وامتدت فترة وجودها في مصر من سبتمبر 2012 وحتى يوليو 2013. لذلك اختارت مصر موضوعا لأحد أبحاثها للحصول على درجة الماجيستير، وأتت إلى القاهرة مرة أخرى في 14 مايو 2015.
في شهادتها لمؤسسة حرية الفكر والتعبير تروي فاني اوييه ملابسات القبض عليها من قبل الأجهزة الأمنية في مدينة دمياط وترحيلها من مصر إلى فرنسا. تقول فاني اوييه "في البدء جئت إلى مصر لإعداد بحث قصير ضمن إطار دراستي، كنت اعتقد أن الأمر بسيط ولن يترتب عليه متاعب، لم أكن أنتوي الكتابة الصحفية عما يحدث في مصر آنذاك".
تضيف اوييه: “جئت إلى مصر بتأشيرة سياحية، لم أكن أود لفت الانتباه إلى الموضوع الذي سأعمل عليه تجنبا لحدوث متاعب من قبل السلطات المصرية، وكنت اعتقد أن التعامل مع الباحثين سيكون مختلفا عما يحدث مع الصحفيين. الصحفيون الأجانب يتعرضون لتضييق في مصر، ولكن لماذا قد تهتم السلطات المصرية بالعمل البحثي الذي لا يتم نشره أو تداول أخبار بشأنه، حينها كنت أعلم أن كثير من الباحثين يأتون إلى مصر بتأشيرة سياحية ويعملون على أبحاثهم في هدوء. قبل وصولي إلى مصر تحدثت إلى بعض الباحثين الفرنسيين الموجودين في مصر، ممن يعملون على أبحاث سياسية واجتماعية، وأخبروني جميعا بضرورة توخي الحذر نظرا للأوضاع السياسية والأمنية في مصر. لقد تواصلت مع صحفيين كذلك، وحاولت أن أفهم الوضع السياسي في مصر قبل السفر وقبل البدء في عملي البحثي. وكذلك سعيت للحصول على تواصل مع بعض الشباب الناشطين من أجل إجراء المقابلات معهم. في البدء التقيت بشباب من حزب الدستور للتعرف على طبيعة نشاطهم السياسي بعد أحداث يونيو 2013. وبعد ذلك بدأت في دراسة حركة 6 أبريل ونشاطها، وتطور الأمر إلى إجراء بعض المقابلات، فذهبت إلى الاسكندرية في يونيو 2015، ثم ذهبت في أول يوليو من نفس العام إلى دمياط لمقابلة بعض نشطاء حركة 6 أبريل هناك".
تقول اوييه عن هذه المقابلات: "لقد كان الأمر عفويا، أردت أن أتعرف إلى نشاط الشباب خارج القاهرة، وذهبت إلى دمياط لأنها مدينة صغيرة في الدلتا، وبالطبع سأتعرف إلى الفروق بين العمل السياسي في مدينة كبيرة كالقاهرة، والمدن الأخرى الصغيرة. لقد توخيت الحذر واخترت أن أتواصل مع دوائر يعرفها أصدقاء لي".
وعن ملابسات القبض عليها تقول اوييه: "في دمياط، التقيت لمرة واحدة مع نشطاء حركة 6 أبريل في المدينة، لقد قابلت 5 من أعضاء الحركة في أحد المقاهي وكانت أغلب أسئلتي لهم عن ما يجدونه من فروق بين العمل السياسي في دمياط عنه في القاهرة، فقط مجموعة من الأسئلة البسيطة تناسب بحثا أكاديميا قصيرا. كنا في رمضان عندما أنهيت السحور وعدت مع صديق ناشط بالحركة إلى الفندق الذي نقيم فيه، كانت الساعة حوالي الثانية والنصف صباح يوم 2 يوليو 2015، دخلت إلى غرفتي وبدأت في النوم، ولم تمر سوى نصف ساعة، حتى وجدت من يطرق باب غرفتي. عندما فتحت الباب، كان هناك 10 من رجال الأمن، لم يقولوا أي شىء على الإطلاق ودخلوا إلى الغرفة، تفحصوا كل شىء بالغرفة، وكان معهم مترجما أخبرني أن أقوم بجمع متعلقاتي لأخذها معي. اعتقدت حينها أنهم تتبعوني من قبل لأنهم سألوني إن قد ذهبت إلى الاسكندرية، وهو ما حدث قبل أسبوعين من ذلك اليوم. لم يتعرضوا لي بسوء ولم يضربوني، فقط أخبروني أن أذهب معهم إلى القسم، وهناك قاموا بفحص أوراقي والحاسب الشخصي. كان المترجم يشرح لهم الملاحظات المكتوبة في أوراقي بالعربية، لم أفهم ما يدور بينهم. تفحصوا الحاسب الشخصي طويلا ولم أرى ما يفعلون تحديدا، اعتقد أنهم قاموا بنسخ بعض الملفات".
وعن التحقيق معها في القسم، تقول فاني اوييه "بدأوا يسألونني: هل أنت صحفية ؟ ورأوا بعض العمل الصحفي الذي قمت به في تونس على حاسبي الشخصي. وسألوني: هل تقومين بكتابة شيئ عن مصر في الصحافة ؟ لم أخبرهم بشىء على الإطلاق، ولم أشأ التحدث عن البحث الذي قمت به حتى لا أسبب متاعب لآخرين من نشطاء حركة 6 أبريل. قلت لهم أننى فقط سائحة، وعندها سألوني لماذا أتيت إذا إلى دمياط ؟ وأجبتهم أنه لم تسبق لي زيارة المدينة، وأتيت فقط لزيارة مكان جديد. لم يستغرق التحقيق أكثر من ساعة على ما اعتقد وأغلب الوقت كانوا مهتمين بفحص الحاسب الشخصي. نمت قليلا في القسم. وفي الصباح أتوا بسيارة لكي نغادر إلى القاهرة كان بصحبتي 7 من رجال الأمن والجيش. كنت أسألهم من حين لآخر: لماذا ألقيتم القبض علي، وكانوا يجيبون هذا فقط من أجل سلامتك الشخصية".
وبعد وصولهم إلى القاهرة، تقول اوييه: "ذهبوا بي إلى مجمع التحرير، وقاموا بإلغاء تأشيرة دخولي لمصر، خشيت أن أتحدث معهم بالعربية، حتى لا يعتقدوا أني "جاسوسة". في ذلك الوقت كان صديقي الذي كان متواجد في الفندق قد ابلغ السفارة الفرنسية واتصل ببعض الأصدقاء. السفارة بلغها خبر القبض علي ربما بعد حدوثه بساعة واحدة فقط. سمحوا لي بالتحدث في الهاتف إلى أحد العاملين بالسفارة الفرنسية، أخبرني أن السلطات المصرية تريدني أن أغادر مصر خلال 24 ساعة، وإن لم يكن معي المال الكافي لحجز تذكرة طيران فورا، سيبقون علي تحت الاحتجاز في القسم، وهذا أمر يجب تجنبه. كان معي أموال كافية وذهبنا لأحد شركات حجز الطيران في التحرير، وكان رجال الأمن الذين رافقوني من دمياط لا يزالوا معي. حجزت التذكرة ومن ثم ذهبنا إلى مطار القاهرة، كانوا ودودين معي، لقد بقينا سويا لساعات، وكنت أخشى أن يتعرضوا لي بأذى رغم ذلك. أعطوني هاتفي قبل الوصول للمطار، وتمكنت من الحديث إلى بعض الأصدقاء. هناك بقيت في منطقة الترحيل، وقضيت ليلتي هناك، قبل أن أغادر إلى فرنسا في التاسعة صباح يوم 3 يوليو 2015".
وعن تقديم المساعدة لها من جانب السفارة الفرنسية، تقول فاني اوييه: "اعتقد أن السفارة الفرنسية لم ترغب في حدوث مشكلات مع السلطات المصرية حفاظا على العلاقات الدبلوماسية والمصالح بين البلدين، ولم تكن السفارة مهتمة بالحديث عن هذه الواقعة أو عن حقوق الإنسان في مصر. عندما عدت إلى فرنسا أخبرني بعض المسئولين الذين التقوا بي أن حالتي جيدة للغاية، لأني عدت بسلام إلى بلدي، لم أصاب بأذى أو أتعرض للضرب أو للسجن في مصر".
أنهت فاني اوييه شهادتها قائلة "عندما قرأت عن حادثة جوليو ريجينى بعد 7 شهور من ترحيلي من مصر، شعرت أنني أكثر من محظوظة، جاء ببالي كذلك أن السفارة الفرنسية علمت سريعا أنه تم القبض علي بواسطة رجال أمن، لأن صديقي أخبرهم بذلك، وربما ذلك ما صنع الفارق في حالتي عن حالة جوليو. لربما لاقيت نفس المصير. عندما قرأت عن حادثة جوليو تأثرت للغاية، أنا أعرف جيدا هذه المشاعر. لقد مررت بها من قبل. علمت بعد عودتي من بعض الأصدقاء أن السلطات الفرنسية تعتقد أنه إذ ما قررت السفر إلى مصر مرة أخرى سيتم سجني هناك. لن أزور مصر إلى الأبد".
تشير شهادة فاني اوييه إلى تنصل سفارة بلادها من الدفاع عن حقها في البحث العلمي، ويتفق ذلك مع معلومات حصلت عليها حرية الفكر والتعبير من أحد الباحثين – فضل عدم الكشف عن هويته – عن إبلاغ سفارة دولة أوروبية للباحثين أنها لا تتحمل عواقب عملهم البحثي طالما أنهم جاءوا بتأشيرة سياحية، وفي حال واجهوا مشكلات مع السلطات الأمنية في مصر، فهذا أمر يعود لهم، فقط ستعمل السفارة على نقل تحذيرات لهم حال وجود تهديدات أو وضع خطير في البلاد. وفي حالة باحث الماجيستير الذي ألقي القبض عليه عدة مرات وتم التحقيق معه عن نشاطه البحثي، لم تثر سفارة بلاده قضيته مع السلطات المصرية، واضطر فى النهاية للرحيل من مصر، رغم أنه مسجل في برنامج مشترك مع جامعة حكومية مصرية. ربما أدت هذه الحالة من التعتيم إلى تركز أغلب التحذيرات الأكاديمية بعد مقتل جوليو ريجيني على الحادثة التي تعرض لها ريجيني، دون التطرق لحالات أخرى لباحثين أجانب تعقبتهم أجهزة الأمن المصرية وقامت بالتضييق عليهم.