![]() |
فورين بوليسي: السيسي تنازل عن الاقتصاد المصري للجيش حتي يظل راضياً عنه sisi |
إن نظام عبدالفتاح السيسي تنازل عن الاقتصاد المصري للجيش؛ حتى تظل هذه المؤسسة راضية عنه.
السيسي لا يزال يتمتع بشعبية منذ توليه السلطة قبل عامين؛ وهذا راجع لسياسته المتشددة مع الإسلاميين، ووعوده بإنشاء مشاريع ضخمة، وسيطرته على الآلة الإعلامية وخطابها في البلاد. لكن الدعم الشعبي عادة ما يتسم بالتقلب، وعلى خلاف نظام حسني مبارك الشمولي ومن سبقوه، فإن السيسي ليس لديه نظام سياسي لتعبئة الجماهير نيابة عنه، وفي الحقيقة فلا يوجد للسيسي أي مؤسسة سياسية تقف وراءه، فصعوده على ظهر انقلاب شعبي لم يعطه الفرصة لإنشاء حزب سياسي.
ورغم أن البرلمان الجديد يمتلئ بالمؤيدين للسيسي، إلا أن أيا منهم لم يرشح نفسه من خلال حزب، ولم يتجمعوا بعد في تحالف يحظى بمصداقية، بطريقة تشبه الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان يترأسه مبارك من قبل.
السيسي ليس لديه حلفاء سياسيون يمكنه الاعتماد عليهم عندما تزداد الأمور شدة، ولا يستطيع التعويل على برلمانه، وليس لديه سوى مؤسسة قادرة على حمايته وتأمين مستقبله، وهي القوات المصرية المسلحة.
يقول أحمد عبدربه، أستاذ علوم سياسية بجامعة القاهرة: “سياسياً، يحتاج السيسي إلى الجيش”، ويضيف أن الرئيس “ليست لديه مؤسسة سياسية، والجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تمنحه الشرعية، وأصبح الجيش مؤسسة سياسية بحد ذاتها”، وهو ما يريده الجيش في الوقت الحالي، حيث تحول الجيش إلى المؤسسة السياسية الوحيدة المتوفرة للسيسي. ومقابل تقديم الولاء له، كان المطلب واضحاً، وهو السيطرة على الاقتصاد المصري، بشرط أن يكون الجيش متحرراً من القوانين التي تغطي عمل المؤسسات المدنية، وهو ما فعله السيسي.
ومن بين الـ263 قراراً التي أصدرها السيسي منذ وصوله إلى الرئاسة، كان هناك 32 قراراً تتعلق بالجيش والقطاع الأمني، بحسب دراسة لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأدنى، مشيراً إلى أن هذه القرارات تضم رفع رواتب التقاعد لأفراد القوات المسلحة بنسبة 10%، بالإضافة إلى قرار يوسع سلطات المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وقرار يمنح الجيش السلطة لإنشاء الشركات الأمنية الربحية، تخيل شركة (بلاك ووتر) أن تكون مصدر ربح للجيش الأمريكي.
القرارات التي لم تلفت انتباه الكثيرين، واتسمت بالسرية، مثل قرار السيسي في نوفمبر، فيما يتعلق بمؤسسة استصلاح الأراضي، وهي شركة مساهمة تابعة للجيش أنشئت عام 1981، ومهمتها بيع العقارات والأراضي التي لا يستخدمها الجيش إلى القطاع الخاص، ومنح السيسي الشركة السلطة لإنشاء مشاريعها المربحة وتطوير الأراضي لتوليد الأرباح.
هذه الشركة، التي كانت مهمتها التخلص وبيع أرصدة الجيش، أصبحت قادرة على النمو، وهي معفية من الضرائب، ولا تتعرض للإشراف المدني، لافتة إلى أنها واحدة من بين عدة شركات مملوكة من الجيش، فهناك شركة النقل البحري، التي تم إنشاؤها في عهد مبارك، ومن ثم سلمت إدارتها إلى الجيش، وأصبحت هذه الشركات تزاحم القطاع الخاص في اقتصاد يحتاج للنمو.
ومن الصعب تحديد حجم ما يسيطر عليه الجيش من الاقتصاد المصري، ولا يطلب من الشركات التابعة للجيش الكشف عن أرصدتها، ولهذا تتراوح التقديرات من 50 إلى 60% من مجمل الدخل القومي العام، مستدركا بأن تنوع مجالات إمبراطورية الجيش الاقتصادية ليس سراً، فجهاز مشروع الخدمة الوطنية يبيع كل شيء من الإسمنت إلى الوقود والمعكرونة والمياه المعلبة، وهناك الهيئة العربية للتصنيع، التي تقوم بصناعة سيارات “جيب” فخمة وهواتف ذكية وألواح شمسية وكلها موجه للسوق المدنية. وتملك شركات الجيش عدداً واسعاً من الأرصدة، مثل أراض في مناطق رئيسة، وشركات للنقل، ومنشآت للتخزين، وسفن نقل تجاري.
في ظل، مبارك بدأت هذه الشركات بالحصول على عقود تجارية محلية وأجنبية، بدلاً من بيع الأرصدة، وشملت عقوداً في مجال الملاحة البحرية واللوجيستية والهندسية والبناء، واعتمدت هذه الشركات على المجندين كعمالة دون أجر، وهو ما منحها الفرصة لتقديم أسعار أقل من سعر السوق، وكان هذا الوضع مناسباً للرئيس، الذي شعر أن منح الجيش العقود يعزز من ولاء قادته له.
مبارك لم يعتمد على النية الحسنة للقادة لتأمين موقعه، بل اعتمد على الحزب الوطني، فقد أقام نظاماً للجيش أمن فيه ولاءه له خلال الانتخابات.
يستدرك عبدربه: “كان مبارك ذكياً فيما يتعلق بالجيش، فقد كان محابياً له، لكنه (الجيش) لم يكن القوة السياسية المحركة، وكانت لديه إمبراطوريته الاقتصادية، ولكن من خلف الستار، أما الحزب الوطني فقد كان القوة السياسية المحركة”.
إن هذا كله تغير بعد تنحي حسني مبارك عن السلطة، وسط بهجة المواطنين، وحل محله المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أوكلت إليه مهمة الإشراف على المرحلة الانتقالية، ولأول مرة منذ عام 1952 تمتع الجيش بسلطة كاملة لإملاء ما يريده على البلاد من قوانين وسياسات، ولا يزال يتمتع بهذه السلطة حتى اليوم من رئيس لا يزال يشعر بالامتنان له.
إن دور الشركات العسكرية اتسع في ظل رئاسة السيسي، ولم تعد تتلقى العقود، بل أصبحت مسؤولة عن إدارة كامل المشاريع. ومن الناحية النظرية، فإن سيطرة هذه الشركات على المشاريع يقصد منها تشجيع الاستثمار الأجنبي، وتسهيل الطرق للمستثمرين، مستدركة بأن هذا كله لا يعدو كونه مجرد كلام، بحسب الباحثة في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن شانا مارشال، التي تقول إن: “هذا كليشيه تهدف إلى جذب الاستثمار الخارجي، وعليه التخلص من القيود البيروقراطية والتركيز في مكان واحد”.
وتضيف مارشال: “يحب البنك الدولي استخدام هذه اللغة، ولهذا تقدم مصر خدمات شفوية لفكرة مواجهة التضخم البيروقراطي، وبهذه الحالة تقوم بمركزة الفساد”.
إن هذه المشاريع ليست صغيرة، مثل مشروع تفريعة قناة السويس الثانية، الذي كلف تسعة مليارات دولار، وهو المشروع الذي أشرف عليه الجيش المصري بشكل كامل، فمن خلال أميرالي البحر، الذي يترأس هيئة قناة السويس، تأكد الجيش أن مشاريع الحفر والتجريف منحت أولا لمهندسيه ومن ثم للشركات التي يملكها، وهم حلفاؤه السياسيون.
وتعلق مارشال قائلة: “سمحت هذه الجهود للجيش بإحكام السيطرة على المشروع، ومنح العقود للشركات الخليجية، وأن تتحول إلى برنامج توظيف لرجاله”.
ويفيد التقرير بأن المشروع الضخم الثاني الذي أعلن عنه السيسي هو تحويل 1.5 مليون فدان من أراضي الصحراء إلى مناطق زراعية، وقد عبر الكثير من الخبراء عن شكوكهم في استعداد السكان لترك مناطق أجدادهم قرب النيل، والعمل في أرض فارغة، علاوة على توفر المياه الجوفية اللازمة لري هذه المناطق.
السيسي لا ينظر بعيداً، ولكنه يتطلع إلى تحقيق أهداف قصيرة المدى، مثل منح العطاءات للجيش والشركات الخليجية، والحصول على المكافأة من هذه المشاريع، ولهذا السبب يفضل السيسي المشاريع الضخمة؛ لأنها تجعل من القاعدة الداعمة له، وهي مؤسسة الجيش، سعيدة وثرية، بل إنه عندما يغلف هذه المشاريع بغلاف من الوطنية فإن ذلك يزيد من شعبيته.
وتعتقد مارشال أن “الامتحان الحقيقي لمهارته السياسية سيأتي عندما تنضب الأموال”، وهذا بالضبط ما يحدث، فقد أجبر انخفاض النفط السعودية على إعادة تقييم سياستها المحلية، حيث رفعت سعر الوقود على مواطنيها بنسبة 50% بداية يناير. ومنذ عام 2013، حصلت مصر على 12 مليار دولار من السعودية على شكل استثمارات، وتعهدت بمليارات أخرى، وكلما تراجعت موارد السعودية النفطية ضعفت هذه التعهدات.
وترى مارشال أنه في الوقت الحالي “لا يوجد اقتتال على الفتات بعد، ولكن التوتر سيظهر عندما تختفي أموال الخليج”.
سيكتشف السيسي أن المشاريع الضخمة لم تفعل إلا القليل للتخفيف من المشكلات الاقتصادية التي تواجه المصريين في كل يوم. وكما تذكرنا ذكرى 25 يناير والثورة السابقة، فقد تتحول حياة المصريين اليومية إلى قوة يجب الحساب لها.
المصدر
بوابة يناير