![]() |
هل ستكون الكونغو حليفاً استراتيجيّاً لمصر في منابع النيل ضدّ استئثار إثيوبيا بموارد النهر؟ Egypt |
بإختصار مع استمرار تعرقل المفاوضات السياسيّة والفنيّة بين القاهرة وأديس أبابا حول إدارة المياه في نهر النيل، بسبب الإصرار الإثيوبيّ على بناء سدّ النّهضة، الّذي يهدّد المصالح المصريّة في مياه النيل، لجأت الإدارة السياسيّة المصريّة، مرّة أخرى، إلى تجديد سياستها في إصلاح العلاقة وتقويتها مع دول منابع النيل في منطقة البحيرات الاستوائيّة، خصوصاً الكونغو الديموقراطيّة.
وفي هذا المجال، قال وزير الكهرباء والطاقة المصريّ محمّد شاكر في حديث لـ"المونيتور": "سنقوم بتقديم الدعم الفنيّ والتكنولوجيّ والهندسيّ لإنشاء السدّ".
وتحدّث عن إمكانات الإستفادة المصريّة من مشروع السدّ الكونغوليّ فقال: "هناك خطط طموحة للربط الكهربائيّ من جنوب إفريقيا حتّى شمال القارّة، قد يكون تنفيذها في حاجة إلى بعض الوقت، ولكن هناك رؤية للبدء في ترجمتها على أرض الواقع على مراحل مختلفة".
وتبلغ قيمة المنح المصريّة المتفّق عليها خلال الزيارة 10 مليون دولار لتنفيذ ستّة مشاريع، منها دراسات تصميم سدّ إنجا وتشغيله، ومشاريع أخرى خدميّة لحفر آبار من أجل توفير مياه الشرب وتقديم منح دراسيّة وتدريب العاملين في مجال الموارد المائيّة في الكونغو.
ومن جهته، قال وزير الموارد المائيّة والريّ حسام مغازي في حديث مع "المونيتور": "سيتمّ إرسال بعثة من وزارة الريّ المصريّة إلى الكونغو لمتابعة تنفيذ مشاريع التّعاون، وكذلك كلّ ما يتعلّق بالتنسيق في تنفيذ سدّ إنجا".
ويعتبر سدّ إنجا، الّذي يقع على نهر الكونغو، على مسافة 225 كلم جنوب غرب العاصمة كينشاسا، من أكبر مشاريع الطاقة الهيدروليكيّة في إفريقيا، بحيث تمّ تصميمه لتوليد 40.000 ميجاوات من الكهرباء، ولكن لا يزال تنفيذ المشروع يواجه صعوبات مع ارتفاع تكلفته، الّتي تقدّر بـ80 مليار دولار.
وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة والمياه الكونغوليّ ماتادي جاماندا في حديث مع "المونيتور": "لدينا تحدّيات كبيرة في استكمال مشروع السدّ تتعلّق بالتّصاميم والتّمويل والإدارة، وهو ما نأمل أن تشارك فيه مصر".
أضاف: "سدّ إنجا سيكون مشروع التّكامل الأكبر في إفريقيا، الّتي لا تزال في حاجة إلى مزيد من الطاقة لتلبية حاجات السكّان".
وتابع: "لا نريد أن نكون في منافسة مع تحرّكات إثيوبيا في توليد الطاقة الكهرومائيّة من السدود، ولكن بالتأكيد مشروع سدّ إنجا سيوفّر كميّات هائلة من الطاقة لا تقارن بمشروع مثل سدّ النّهضة الإثيوبيّ".
لا ترتبط المصالح المصريّة المائيّة مع الكونغو فقط بالدعم المصريّ الرسميّ لسدّ إنجا، ولكن هناك تطلّعات مصريّة أثيرت في الثلاث سنوات الأخيرة بضخّ مزيد من الموارد المائيّة في حوض نهر النيل في منطقة البحيرات الاستوائيّة من خلال ربط نهر النيل بنهر الكونغو، من أجل زيادة كميّات المياه الواردة إلى مصر، وهو المشروع الّذي شهد جدلاً فنيّاً واسعاً.
وعلّق ماتادي جاماندا على المشروع قائلاً: "هذا المشروع غير واقعيّ، ولا يخرج عن كونه حلماً، والأهمّ الآن هو دفع التّعاون للإستفادة من موارد الكونغو المائيّة على أرضها".
أضاف: "الكونغو لا يزال موقفها واضحاً وصريحاً بدعم مصر في النزاع القائم بينها وبين دول منابع النيل حول إدارة المياه في حوض النهر".
وتابع: "لن نوقّع على أيّ إتفاقيّات تضرّ بالمصالح المصريّة"، في إشارة منه إلى إتفاقيّة الإطار القانونيّ والمؤسسيّ لحوض النيل CFA المعروفة إعلاميّاً بإتفاقيّة "عنتيبي"، والّتي وقّعت عليها ستّ دول من دول منابع النيل ورفضتها مصر والسودان، اعتراضاً على ثلاثة بنود تعطي لدول المنابع الحقّ في إستغلال موارد النهر من دون الإلتزام بمبادئ عدم الضرر أو الحصص التاريخيّة.
وأردف: "إنّنا مستعدّون للتوسّط من جديد بين مصر وبقيّة دول منابع النيل من أجل إعادة التفاوض على الإتفاقيّة وحلّ هذه الأزمة، إذا ما طلبت منّا مصر القيام بهذا الدور".
وتعتبر القاهرة تحسين العلاقة مع الكونغو خطوة مهمّة لضمان التواجد المصريّ في منطقة البحيرات الإستوائيّة ومنابع النيل، من خلال البناء على السياسات الجيّدة للكونغو ومساندتها للموقف المصريّ خلال المفاوضات الشاقّة الّتي امتدّت طوال العشر سنوات الماضية مع دول منابع النيل حول إدارة المياه في حوض النهر.
وفي هذا المجال، قال وزير المياه المصريّ الأسبق محمّد نصر الدين علام، والّذي خاض جزءاً من المفاوضات مع دول حوض النيل بين عامي 2009 و2011، في حديث مع "المونيتور": الكونغو موقفها ثابت وداعم للرأي والموقف المصريّ، بحيث التزمت بتعهّداتها بعدم التوقيع على إتّفاق عنتيبي، وبخلاف بوروندي الّتي وقعت عليه بعد الثورة المصريّة في عام 2011".
أضاف: "إنّ تنسيق المواقف مع الكونغو سياسيّاً الآن أمر مهمّ لتكون بمثابة ظهير إفريقيّ قويّ، خصوصاً مع ممارسة ضغوط هائلة على مصر من دول منابع النيل، وضعف التّنسيق مع السودان، الّذي كان حليفاً استراتيجيّاً لمصر في ملف مياه النيل".
ورأى محمّد نصر الدين علام أنّ "مساندة مصر لسدّ إنجا في الكونغو هي ورقة ضغط قويّة في مواجهة الحلم الإثيوبيّ بأن تكون وحدها مصدر تصدير الطاقة لدول القارّة، حيث أنّ تنفيذ السدّ وتشغيله سيجعل الكونغو المصدر الأوّل للطاقة والبديل الأرخص والأكثر أماناً".
ولا يزال التحدّي الأكبر أمام الإدارة السياسيّة المصريّة في كسب حلفاء لها في منطقة منابع النيل لتأمين مصالحها من المياه، هو أن ترتبط سياسات التّقارب الرسميّة بمشاريع ومصالح مباشرة تحقّق منافع حقيقيّة لشعوب دول المنابع المتطلّعة إلى التّنمية، من دون الإكتفاء بتبادل الزيارات الرسميّة أو إطلاق الوعود السياسيّة.