فى بداية القول ينبغى أن نشير الى أن أى نظام مستبد يعتمد فى استبداده على جهل المجتمع أو تجهيله,فالمستبد لا يستطيع أن يستبد بمثقف حتى ولو كان هذا المستبد يملك السلاح ويستطيع القمع فى مواجهة من يملكون الأفكار,لأن الأفكار بطبيعتها مضادة للرصاص ! إن المجتمع الذى ينتشر به الجهل يفترض دائما أن التحليل العميق للوضع السياسى هو جزء من نظرية المؤامرة البغيضة ! والنظام المستبد يلجأ دائما لترسيخ هذه الفكرة ويعتمد على نبذ كل من يفكر "بعمق" طالما أن الأفكار موجهة ضده, مع تلميع و اظهار كل من يعتمد على سطحية الأفكار الموجهة ضده و قشورها, لذلك نرى أن المعارضة ذات الأفكار السطحية والتى تستخدم الشعارات الرنانة والصيغ الدبلوماسية الرائعة فى مواجهة الإستبداد مرحبا بها جدا من قبل النظام فى الحقيقة , وممتعضا لها ومواجها لها بقسوة فى الظاهـر. وفى الواقع فإن نظرية المؤامرة هى جزء لا ينفصل عن السياسة , والرؤية السياسية السليمة لا مجال فيها لحسن النوايا خاصة بعد أن اندثرت الأنظمة السياسية المنغلقة و أصبحت أكثر تبعية للنظام الدولى السائد الذى يتحكم فيه الدول العظمى بعد الحرب العالمية الثانية,وبالتالى أصبحت تركيبة هذة الأنظمة أكثر تعقيدا لدرجة أن الثورات الكبرى الآن تستطيع اسقاط الحكومة دون اسقاط النظام !! فرئيس الدولة داخل تلك الأنظمة هو رأس الحكومة وليس رأس النظام كما يعتقد البعض وكما يشير كبار السياسيين السطحيين . ولبقاء هذا النوع من المعارضة والذى أشرنا اليه آنفا فلابد له أن يقاوم أى معارضة حقيقية و أى فكر حر أو أى طليعة فكرية قادمة تقصيه من المشهد السياسى لتتصدر مقاومة النظام وتهزمه , بل إنها تلجأ للتشبث بالنظام وتتعاون معه ضمنيا فى القضاء على ذلك الخطر الذى يهددهما معا, رغم أنهما فى الواقع لم يكونوا أصدقاء ولن يكونوا ! ولكن النظام يضمن بقاؤه فى السلطة طالما أن "العدو البديل" موجود.. ورغم أنه يعلم جيدا أن هذا العدو البديل يتربص به ويتحين الفرصة للانقضاض على الحكم اذا ما سنحت ليلعب هو دور النظام وليلعب النظام دور العدو البديل ! لكن النظام –تحت نفس النظرية- يستطيع استرداد السلطة فى أى وقت من أيدى من يحفظهم جيدا ويعلم كافة نقاط ضعفهم, الأهم هو ابعاد الخطر الحقيقى و التهديد المؤثر لفكرة الثورة على النظام ككل . أيضا فإن هذا النوع من المعارضة يفضل أن يكون عدوه البديل هو النظام وفى كل الأحوال فإن أحدهما لا يقوى على مواجهة العدو الحقيقى "الشباب الثائر المثقف" بمفرده , بل إنه يتجنب الاعلان عن أنه يواجههم ,بل يتضامن النظام مع عدوه البديل فى مواجهة العدو الحقيقى بينما يعلنان امام الشعب أنهما فى مواجهة بعضهما البعض ! وللأسف فإن المجتمع يصدق ذلك لأنه من ناحية لا يعرف سواهما , ومن ناحية أخرى لا يؤمن بنظرية المؤامرة إلا إذا تحدث عنها النظام السائد! وبخروج "الشباب الثائر المثقف" من المعادلة إياها يضمن الإثنان بقاءهما . النظام هو من سمح للأخوان بالبقاء والإنتشار بل والتوغل داخل كل شبر فى مصر.. أمن الدولة والمخابرات كانا ولا زالا يعرفان كل كبيرة وصغيرة عن تنظيم الأخوان.. لك أن تتخيل أن يسمح النظام لأعضاء تنظيم الأخوان الذى من المفترض أنه تنظيم محظور بأن يترشح للإنتخابات البرلمانية طوال عقود مضت , بل ويعلن المرشح بأنه مرشح جماعة الأخوان ! تخيل على الجانب الآخر لو أنك تسير بأحد الشوارع لتجد لافتة مكتوبا عليها : فلان الفلانى مرشح تنظيم القاعدة لمجلس الشعب ! بالطبع لن تجدها لكنك ستجدها لمرشح تنظيم الأخوان رغم أنه أيضا تنظيم محظور لابد من القبض على أعضاءه بمجرد إعلان أحدهم الإنتماء اليه . ثم قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير بقيادة طليعة من الشباب المثقف الثائر.. انتهز الأخوان الفرصة لينقض على النظام (كالعادة) ويستثمر تفوق الشباب الثائر و تأييد الشعب.. فقام النظام بإعلان أنه يقاوم الأخوان منذ البداية !وأعلن الأخوان بعد ذلك أنهم يقاومون النظام , واختفى الشباب الثائر من المشهد !! بل انضم الأخوان بعد ذلك لصف النظام بعد تولى المجلس العسكرى "امتداد النظام" مقاليد الأمور وقاما معا بمواجهة الثوار وتشويههم و قتلهم, وكان الأخوان فى تلك الفترة يعلنون أنهم فى حرب مع المجهول ! وهو العلمانيين ! ويشمل هذا المصطلح أى معارض لهم حتى ولو كان مواطنا بسيطا لا يعلم عن العلمانية أو غيرها شيئا ! ولنلق نظرة على أول انتخابات برلمانية بعد الثورة فنجد أن الأخوان قد اعتمدوا على تقويض الفكر الثورى وتشويهه بينما انشغل الشباب الثائر بمواجهة "الفلول" نتج عن ذلك برلمان بأغلبية أخوانية , وكان على الثوار أن يعلنوا منذ البداية أنهم فى مواجهة الفلول والأخوان معا مهما كان الثمن لكنهم للأسف لم يدركوا ذلك حتى جاءت الإنتخابات الرئاسية التى قام فيها الأخوان بالهجوم على أى مرشح خارج "المعادلة" فى الجولة الأولى حتى أتت النتيجة الحتمية فى الجولة الثانية.. النظام فى مواجهة العدو البديل "الأخوان" والأخوان فى مواجهة العدو البديل "النظام" !هنا أدرك بعض الثوار – متأخرا- حجم المؤامرة فقاطعوا الجولة الثانية وهو ما جعل الأمر يبدو أنه موقفا للتاريخ فقط . ثم مرت الأيام وبدأ الشعب يشعر بأن ثمة تغييرا لم يحدث,بل إن الأمور تزداد سوءا يوما بعد الأخر اصبح يهدد كيان الدولة ككل, وبدأ الحنين للعدو البديل ! انتهز النظام الفرصة لاستعادة ما يعتبره "أملاكه"! التى استولى عليها الأخوان خاصة بعد الموجه الثانية التى انفجرت فى 30 يونية 2013 وبعدها بدأ مفهوم الثورة ينحصر فى القضاء على الأخوان ! رغم أن بعض الثوار الذين أدركوا المخطط منذ الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة قد أعلنوا فى خطوة متأخرة جدا أنهم ضد الجميع تحت شعار :يسقط كل من خان.. عسكر – فلول – أخوان , وكان اعلان ذلك مبكرا سيضعهم فى منطقة أفضل كثيرا مما هو الوضع عليه الآن .. وتطبيقا للنظرية فإننا فى انتظار مجلس شعب قادم يعج بــ "الفلول" ورئاسة قادمة بقيادة عسكرى ببذلة مدنية ! هناك خيارين.. إما أن تزداد اصرارا على البقاء داخل دوامة العدو البديل فتنضم الى اشارة رابعة أو تذهب لتفويض "العسكرى" ! أو تخرج من الدوامة لتدعم الشباب الثائر المثقف فى مواجهة النظام العميق بكافة مكوناته بما فيهم الأخوان و كافة المعارضات السطحية ! دعم الشباب هو الحل.. الشباب القادم هو من يستطيع القضاء على استبداد الدولة العاجزة و اقامة دولة شابة متسلحا بالعلم والثقافة والتدريب السياسى ثم الممارسة السياسية.
عبدالله الصياد